الإصلاحات وتخفيف أعباء الديون: الصومال يطوي صفحة من تاريخه وسط أزمة ديون عالمية
في جميع أنحاء العالم، يواجه أصحاب الأعمال والشركات العديد من التحديات اليومية، من التضخم ومحدودية فرص الحصول التمويل إلى اضطرابات سلاسل الإمداد. لكن في البلدان المتأثرة بأوضاع الهشاشة أو الصراع أو الفقر المترسخ، تتخذ هذه العقبات الروتينية شكلاً جديداً.
مع قيام هيرسيو عبد الله سياد - سيو سياد، وهي أم صومالية لأربعة عشر طفلاً- بتطوير مشروعها من كشك في الشارع إلى متجر لتوزيع الفاكهة والخضروات، كان عليها أن تتغلب ليس فقط على المشكلات الاقتصادية الكبيرة، ولكن أيضا على أثر الفيضانات وموجات الجفاف والآفات والحرب الأهلية التي دامت عقوداً.
لكن التطورات الأخيرة في الصومال بثت روح الأمل في هيرسيو.
بدعم من المجتمع الدولي، نجح الصومال في تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق تهدف إلى إعادة بناء اقتصادها ومؤسسات الدولة، على الرغم من البيئة الداخلية والخارجية الحافلة بالتحديات. وتمكنت الصومال، التي عانت طويلا من الصراع والديون، من تسوية متأخرات الديون المستحقة للمؤسسات المالية الدولية.
These مهدت هذه الإنجازات الطريق أمام الصومال للاستفادة من المبادرة المعززة المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون في ديسمبر/كانون الأول 2023. ونتيجة لذلك، تم تخفيف أعباء الديون على الصومال بواقع4.5 مليارات دولار بدعم من المؤسسة الدولية للتنمية، وصندوق النقد الدولي، وصندوق التنمية الأفريقي، ومؤسسات دائنة أخرى متعددة الأطراف، ومؤسسات دائنة ثنائية وتجارية، ومعظمها أعضاء في نادي باريس. وأدى هذا الإنجاز إلى خفض الدين الخارجي للصومال من 64% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2018 إلى أقل من 6% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية عام 2023، مما سمح للصومال بالعودة إلى النظام المالي العالمي بعد عقدين من العزلة.
“من جانبها تقول هيرسيو متفائلة "من الممكن أن يكون الصومال بلدا خصباً، ونحن نتطلع إلى قدوم المستثمرين، وخاصة في قطاع الزراعة، حتى نتمكن من إنتاج المزيد من السلع وبيعها، في الصومال وخارجها."
وبالإضافة إلى اجتذاب المزيد من الاستثمارات الخاصة، تتوقع الصومال عودة العلاقات الطيبة مع المؤسسات الدائنة السابقة وتوسيع مصادر تمويل التنمية مع زيادة ثقة المستثمرين. وقد تحقق جزء من هذه التوقعات في مارس/آذار 2024، عندما تم إلغاء جميع الديون المستحقة على الصومال تقريباً للبلدان الأعضاء في نادي باريس. كما أن انضمام الصومال مؤخراً إلى جماعة شرق أفريقيا يمكن أن يفتح أسواقاً جديدة.
طريق الخروج من الأزمات
مما يؤسف له أن تجربة الصومال الإيجابية في التغلب على المديونية الحرجة ليست متكررة كثيراً في السنوات الأخيرة.
نحو 60% من أشد بلدان العالم فقراً معرضة حاليا لمخاطر الوصول إلى مرحلة المديونية الحرجة أو بلغت بالفعل هذه المرحلة، حيث يبلغ متوسط الدين العام نحو 70% من إجمالي ناتجها المحلي، وهي زيادة تتجاوز 60% عما كان عليه الحال قبل عشر سنوات.
يجبر هذا الوضع غير المستقر هذه البلدان على توجيه المزيد من موازناتها لخدمة الديون بدلا من تلبية الاحتياجات الحيوية، بما في ذلك الصحة والتعليم، التي تعود بالنفع على مواطنيها الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية.
عانى الصومال في ذلك الوضع، مع تزايد الفوائد والأعباء المرتبطة بالديون، عندما انضم إلى مبادرة المبادرة المعززة المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وهي مبادرة أطلقها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1996 لتخفيف أعباء الديون التي لا يمكن تحملها.
حتى يتسنى المشاركة في هذا البرنامج، على البلدان استيفاء معايير، على سبيل المثال، أن تكون مؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوق البنك الدولي المعني بمساعدة البلدان الأشد فقراً. وعليها أيضا الالتزام بإجراء تغييرات على مستوى السياسات بمساندة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وإثبات تنفيذ ذلك.
استفاد أكثر من 30 بلداً من المبادرة المعززة المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون منذ إطلاقها، وكان الصومال من بين آخر البلدان المتبقية في البرنامج
الدعم الدولي الحاسم
لم يكن سعي الصومال لتخفيف أعباء الديون بالأمر الهين، فقد استغرق إنجاز هذا المسعى قرابة عقد من الزمان. وأعطت الإصلاحات التي قامت بها الحكومة في إطار اتفاق تخفيف أعباء الديون الأولوية لإعادة بناء مؤسسات الدولة، بما في ذلك تحسين المالية العامة، ومعالجة نقاط الضعف المؤسسية، وتعزيز ثقة الجمهور في الحكومة. كما استهدفت بناء قطاع خاص قادر على المنافسة، ودعمت مجالات مثل الهوية الرقمية، والتعاون بين الحكومة الاتحادية والولايات في مجالي الصحة والتعليم، وبناء القدرات الإحصائية.
نظراً لأن أكثر من ثلثي سكان الصومال يعيشون على أقل من 2.15 دولار للفرد في اليوم، أطلقت الصومال، على سبيل المثال، إستراتيجية للحد من الفقر أدت إلى تنفيذ برنامج "باكسنانو"، وهو أول برنامج وطني لشبكات الأمان في الصومال. منذ ذلك الحين، غطى هذا البرنامج، الذي تم إطلاقه في عام 2019 بمساندة من البنك الدولي، أكثر من 3.7 ملايين شخص، معظمهم من النساء والأطفال، من خلال التحويلات النقدية المرتبطة بالتغذية والمساعدات النقدية الطارئة لدعم التعافي المبكر من الصدمات. ومن المتوقع أن يصل البرنامج، الذي يُنفذ في إطار شراكة مع الأمم المتحدة، إلى أكثر من 4.17 ملايين شخص في ديسمبر/كانون الأول 2025، أي ما يعادل ربع سكان الصومال.
حظيت هذه الجهود الكبيرة التي يبذلها الصومال بدعم قوي من المجتمع الدولي. وتمثلت إحدى الخطوات بالغة الأهمية في هذا الصدد في تسوية المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية، وهي أكبر مصدر في العالم لتمويل مشروعات التنمية في البلدان الفقيرة. ويأتي هذا الإنجاز في إطار خطة شاملة لتسوية المتأخرات شارك فيها صندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، مما أتاح للمؤسسة الدولية للتنمية استئناف العمل في الصومال في عام 2020. ومنذ ذلك الحين، زادت محفظة مشروعات المؤسسة في الصومال إلى 2.3 مليار دولار في صورة ودعم فني.
يأتي نحو 20% من التمويل المقدم من المؤسسة على مستوى العالم في شكل منح، والباقي في صورة اعتمادات منخفضة الفائدة يمكن سدادها على فترة زمنية طويلة. ويساهم هذا التمويل منخفض التكلفة الذي تقدمه المؤسسة في تمكين هذه البلدان من تجنب التمويل عالي التكلفة وتخفيف أعباء المالية العامة. كما تعمل المؤسسة على مساعدة الحكومات التي تعاني مستويات مرتفعة من الدين واختلالات بارزة في ماليتها العامة على إدارة المخاطر مع ترسيخ ممارسات الاقتراض التي تقوم على مبادئ الاستدامة والشفافية.
يجري الآن استكمال وتوسيع نطاق عمل المؤسسة الدولية للتنمية في الصومال من خلال إطار جديد للشراكة الإستراتيجية، وهو عبارة عن إستراتيجية مشتركة مدتها 5 سنوات بين البنك الدولي والحكومة الاتحادية. ويعمل هذا الإطار، الذي أُعلن عنه في فبراير/شباط 2024، على بناء الاستقرار حتى يتمكن الصومال من تقديم الخدمات الأساسية لسكانه، وتعزيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وتمكين الدولة من الخروج من دائرة الهشاشة والصراع.
ما هي الخطوات التالية؟
تبعث إنجازات الصومال الأخيرة بإشارة واضحة إلى العالم مفادها أنها قد طوت صفحة مهمة في تاريخها، لكن لا تزال هناك تحديات كبيرة ماثلة أمامه. ولا تسير عملية التنمية بشكل مستقيم في البيئات الهشة، كما يمكن أن تتراجع بسهولة إذا فُقدت بوصلة توجيهها والقوة الدافعة لها. ومن الضروري مواصلة بناء الدولة والمؤسسات، مع استمرار المساندة الدولية.
في سياق متصل، يقول نائب رئيس مجلس الوزراء في الصومال، صالح جامع، في منتدى البنك الدولي الذي عُقد مؤخراً عن أوضاع الهشاشة
"لقد خرجنا من دائرة الإخفاق ... ونعمل بجد وإخلاص للتغلب على أوضاع الهشاشة، وهذا يبعث فينا روح الأمل، كما إنه تطور إيجابي لكن القصة لم تنته بعد، فنحن بحاجة إلى شراكات للاستمرار والوصول إلى غايتنا الكبرى ".
يواصل البنك الدولي - بما في ذلك المؤسسة الدولية للتنمية - بذل جهود دولية منسقة على نحو جيد لمساندة الصومال، مما يسمح بزيادة فرص الحصول على موارد المؤسسة لتعميق بناء الدولة والمؤسسات، ومساندة جهود الإغاثة وخفض أعباء الديون والتعافي القادر على الصمود في مواجهة الأزمات.
بالنسبة لهيرسيو، صاحبة المتجر في مقديشو، أصبحت الفرص الآن أكثر وضوحاً. ويعد توسيع نشاط متجرها لبيع الفاكهة والخضروات جزءاً من خططها، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فهي تحلم بتقديم خدمات التمويل الأصغر للنساء الصوماليات اللاتي لديهن طموحات مثلها في مجال أنشطة الأعمال، وتأمل أن يؤدي المزيد من الاستقرار الاقتصادي وإمكانية الحصول على التمويل إلى تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق ذلك.
في هذا الشأن تقول هيرسيو "أود أن تشعر النساء بالأمان وأن يطرحن خطط بشأن أنشطة أعمالهن، ومن ثم أود أن أكون قادرة على تحويل أفكارهن إلى استثمارات واقعية".
مواضيع ذات صلة:
تم التقاط الصور عن طريق دوخ برس. جميع الحقوق محفوظة للبنك الدولي.